رحلتي مع ابني هشام

ولِد ابني في سنة ٢٠٢٠م، إنها السنة التي قضينا معظم أيامها في منازلنا قلقا من الوباء. راقبت نموه أمام عيني وأتذكر حركاته وكلماته، لقد كان يبدو طبيعيًا: مشى قبل أقرانه، نطق أولى كلماته  مثل بقية الأطفال، كان ينظر إلي ويتابعني بعينيه، يتفاعل معي عندما أتحدث إليه. كان يبدو سعيدًا حتى وصل عمره عام، وبدأت ألاحظ عليه بعض السلوكيات التي استغربتها: كان لا ينام حتى يمسك شيء بيده، كان ينهار باكيًا إذا تناثرت بعض الأغراض من العلبة، كان يسرع ليُعيد كل شيء كما كان. وأكثر ما لفت نظري أنه كان يصف علب الماء بجانب بعضها البعض.

بدأ حاله يصبح أكثر وضوحا حين بدأ يفقد التواصل البصري، وحينما لا يستجيب إلى اسمه. كان رد فعل الأقارب له فقط تشتت بسبب كثرة جلوسه على الشاشات. لا أنكر بأنه جلس لفترات طويلة، لكن هناك تغيرات لا يمكن تجاهلها مثل أنه يضع كل شيء في فمه، أنه يأكل ذات الأكل يوميًا، أنه بدأ يفقد الكلمات التي كان يتواصل بها. دخل ابني الحضانة مدّة شهرين إلى ثلاث أشهر، وكانوا يواجهون صعوبة في معرفة ما يريده. ظهرت سلوكيات أخرى على عمر السنتين والنص: كثرت القفز، الدوران حول نفسه وفي محيطه، عدم الشعور بالألم، الضحك المفرط دون سبب، تقطع في النوم.

طلبت تشخيصه على عمر السنتين والنصف، وتم تحويلي إلى مستشفى الولادة والأطفال، وبعد عدد من الاختبارات والفحوصات والجلسات، حصلت على تقرير يؤكد بأن لديه اضطراب طيف توحد بسيط إلى متوسط وتأخر في اللغة.

اتجهت مباشرة إلى مركز التأهيل الشامل، وتم تقييمه من قِبل أخصائية ليتم تحديد مستواه ويستطيع الاستفادة من الخِدْمَات المقدمة. بما أنه كان تحت سن التعليم في المدارس, اتجهت نحو مركز التشخيص والتدخل المبكر التابع لوزارة التعليم، وهناك تم تقييمه مره أخرى، ثم قدمت له خِدْمَات مناسبه لاحتياجه. قدمت له جلستان في الأسبوع مدة فصل دراسي كامل. وقد ذكروا لي بأن جلستان في الأسبوع غير كافية لتطوير مهاراته بشكل كبير، هي فقط تساعد الأم وتعلمها كيفية عمل الجلسات وتوضح لها كيف تساعد طفلها على النمو. إذا الدور الأكبر على الأهل.

بحثت عن الخيارات المتاحة لتعليمه بالقسائم التعليمية، اتجهت نحو العديد من المراكز وقابلتني العديد من الإشكالات مثل رسوم الجلسات الإضافية والمواصلات، أخيرا قررت تسجيله في إحدى المدارس، وتم قبوله تحت شرط تدريبه على الاستقلالية في استخدام دورة المياه. في الفصل الدراسي الأول تطور ابني تطور كبير جدا من الناحية الاجتماعية. لكن توقف عن التطور لأسباب مختلفة وأهمها هو حاجته للتأهيل. في نهاية السنة الدراسية وصلني اعتذار المدرسة عن استقبال ابني للدراسة في السنة القادمة. لقد حزنت حزنًا شديدا وقد كان أمرا صعب التقبل، فمهارات ابني أقل من أن يقبل في المدرسة. حاولت مرارا وتكرارا مراجعة المدرسة في إعطائه فرصة أخرى، وتم رفع طلب إعادة تقييمه، تأخر الرد وظننت بأنني خسرت فرصة تعليمه للأبد.

استقلت من وظيفتي وعملت بدوام مسائي حتى أستطيع التفرغ في الصباح لمواعيد ابني، وابنتي التي بدأ الشك يساورني في إصابتها باضطراب طيف التوحد أيضا.

طلبت من أحد المراكز أخصائية تحضر إلى منزلي لتدريب ابني ٣ جلسات بالأسبوع لمدة شهر بنظام الـ ABA. وقد أبهرني أدائه، كيف أصبح قادرا على اتباع التعليمات وتفاعل مع الأنشطة بسهولة. وكل ذلك بفضل الله ثم باتباع النظام الذي أفهمه فكرة التعزيز.

أما بالنسبة للتخاطب فهو لازال لا يرغب بالتواصل لفظا. يسحب يدي إلى الأماكن التي يريد منها شيئا ما. ويقول بعض الكلمات

شغل ذهني معرفة الخطوة التالية، عدت إلى التأهيل الشامل وسألت عن تسجيله في مراكز الرعاية النهارية. هناك العديد من المراكز، وتجارب الأهالي مختلفة. قررت أن لا أكرر نفس الخطأ الذي وقعت فيه سابقا، وألا أختار المركز الذي أظن أنه الأفضل، إنما أترك الخيار لابني لتجربة المركز بنفسه. كنت أذهب للمراكز برفقته وألاحظ تفاعله.

بلغ عمر ابني أربع سنوات تقريبا، وبعد مراجعة الطبيبة في مستشفى الولادة والأطفال، صرفت له دواء لتقليل المخاطر الناجمة عن فرط حركته. كان يعاني من الاندفاعية، الهرب، وعدم الوعي بالمخاطر. وبعد تناول الدواء هدأ كثيرا وقلت حركته، وتحسن جودة نومه. وبذلك زاد تركيزه، علما بأن الدواء ليس لزيادة التركيز، إنما فقط لتقليل الحركة. لأتمكن من تسجيل ابني في مراكز الرعاية النهارية السنة المقبلة، يجب علي إسقاط اسمه من نظام نور التابع لوزارة التعليم. لأنه لا يمكن تسجيله في وزارتين مختلفين في نفس الوقت. حاولت عمل هذا الإجراء إلكترونيا، ورفعت تذكرة في النظام، وفي النهاية اكتشفت أن هذا الإجراء لا يتم إلا بحضور ولي الأمر. فاتجهت إلى وزارة التعليم، ولم يأخذ الأمر وقت طويلا وتم قبول طلبي لإسقاط اسمه من نظام نور.

من المهم التواصل مع مراكز الرعاية النهارية قبل بدء فترة التسجيل، والتحقق من طلباتهم وشروطهم. حيث واجهت مشكلة عدم وجود درجة “اختبار الذكاء” في تقارير أطفالي. وعندما راجعت مستشفى الولادة والأطفال ذكروا بأنه لا يمكن إجراء اختبار الذكاء لطفل توحدي غير ناطق، بالإضافة إلى أنه يواجه صعوبة في فهم تعليمات الاختبار. اتجهت إلى مستشفى السعودي الألماني وكذلك مستشفى آخر وكانت أحصل على نفس الإجابة. بعدها اكتشفت أن بالنسبة حالة أطفالي فقد تم كتابة نتيجة اختبار بديل في حال تعذر عمل اختبار الذكاء.

وتم قبول ابني وبدأ العام الدراسي الجديد كما انني قمت بتسجيله بمركز طبي للعلاج الوظيفي وذلك لتحسين من مشاكله الحسية. المشاكل الحسية أثر على ابني في تقبله لبعض الألبسة والأطعمة وفي أداء بعض الأنشطة. ولذا ينصح بالمبادرة في معالجتها لكي يقل تأثيرها السلبي على أدائه في الحياة اليومية.

أعتقد أن نظام الـ ABA فعال جدا وقد لاحظت أثره على أطفالي، لذلك أنصح بشدة التوجه إلى مراكز تعتمده. بالإضافة إلى أن تعليم الطفل السباحة تساعده في تحسين العديد من المهارات. بالنسبة للتخاطب وتعديل السلوك، فلدي نصيحة ذهبية من أحد الأخصائيين وهي: إذا كان طفلك يعرف معنى ولفظ كلمة، فلا تلبي له احتياجه مالم يطلبها لفظا. مثلا يريد ابني أن أفتح له الباب، وأنا أعلم أنه كان يستخدم كلمة “فتح” ، لكنه الآن يحاول وضع يدي على مقبض الباب دون كلام. فالذي يجب علي أن أفعله هو أنا أتظاهر بعدم فهمي لما يريد وأن أجعله يحاول الطلب لفظا. ونظرا لأن الأمر قد يطول، فقد أعطيه ثلاث محاولات للطلب، إذا نجح أنفذ الأمر مباشرة، وإذا لم يستجب فسأنفذ الأمر بعد المحاولة الثالثة وكأني فهمت طلبه متأخرا، كأن أقول: “أووه افتح الباب”.

كذلك لا تترددي في استخدام وسائل التواصل البديلة خوفا في أن يتخلى ابنك عن الكلام بسبب استخدام البطاقات مثلا. في اعتقادي إن استخدام بطاقات بيكس سيساعده على التعبير عن احتياجاته وسيقلل من توتره. فكروا في الأمر، كم هو صعب جدا على الإنسان أن يكون بحاجه إلى شيء ولا يستطيع التعبير عنه ولا يجد من يفهمه.

يمكن طلب إعادة التقييم في التأهيل الشامل خلال ستة أشهر، في بعض الحالات هناك استثناءات، لذلك لا تترددوا في مراجعتهم بالاتصال أو الذهاب إليهم.

في النهاية، لا مانع من البكاء ولكن لا جدوى من الإنكار، إن كان الله اختارك لتكوني أم لطفل توحدي فأنت بالتأكيد قادرة على تحمل هذا الاختيار. لا تيأسي ولا تفقدي الأمل في طفلك، كوني ممتنه للمهارات التي يمتلكها واسألي الله له التوفيق

والدة هشـام

12/02/2025